المستشار/ أنور الرشيد الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
(لم يقف الإعلام الخليجي والعربي مع انتفاضة الشعب البحريني(.. بهذه العبارة كان رد أحد المتابعين على الأحداث الدامية والمؤسفة في الإعلام. مملكة البحرين والتي يواصل كافة مكونات الشعب البحريني العيش في كنفها منذ قرون طويلة وبعد انطلاق انتفاضة في الرابع عشر من فبراير العام 2011.. هذا الرد جاء منسجما مع ما توَلد لدى أحد الإخوة المهتمين بالشأن الخليجي من قناعات عبر لنا عنها بكل صراحة وشفافية حين طرحنا عليه سؤالا. كيف ترى تعامل الإعلام الخليجي خاصة والعربي عامة مع انتفاضة الشعب البحريني؟ فالحقيقة لم نصب بصدمة من هذا الرد لأننا كنا نتوقعه منه لأنه لا يجامل كغيره من أصحاب النزاهة في قول الحق على حساب الحقيقة فهوأكاديمي في إحدى الجامعات الخليجية في مجال الإعلام...... هذه كانت مقدمة لحوار طويل ومعمق تواصلنا به مع عدد من المتخصصين في الإعلام ودوره في المنطقة. مجمل الآراء كانت أن الإعلام الخليجي خاصة والعربي عامة لم تكن بمستوى التضحيات التي قدمها الشعب البحريني طوال عقود طويلة وليس فقط في انتفاضة الرابع عشر من فبراير، حيث لم يكن الإعلام يتحدث أو يكتب أو حتى يرمز ولو غمزاً ولمزاً عن أي شكل من أشكال نضال الشعب البحريني على مدى السنوات الطويلة التي عاشها تحت ظل الاستبداد الممنهج وما عاناه طوال تلك الفترات الغنية بالأحداث الدامية والتي رصدتها بكل حيادية نشرات التنظيمات النضالية ومنها نشرة الخامس من مارس البحرينية وجريدة الطليعة الكويتية اللتان كانتا تنشر أخبار ونشاط وأدبيات النضال البحريني، ما عدا ذلك فلم يكن هناك أي صوت خارج هاتين الوسيلتين اللتين كانتا مؤشرا على استمرارية نضال شعب طمسه إعلام لم يكن يعبر عن حقيقة واقع مأساوي يمر به شعب بأكمله. هذا من الناحية التاريخية ارتأينا أن نذكرها لنعطيها حقها في ذلك التاريخ الطويل، أما فيما يتعلق بدور الإعلام بعد انتفاضة الرابع عشر من فبراير فقد اختلفت الصورة تماما عن كل الكبت والقهر الذي مورس بحق ذلك الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه للمطالبة بحقوقه المشروعة التي انتهكت مرارا وتكرارا على مدى عقودا طويلة متأثرا برياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة العربية... قد نعذر الإعلام الخليجي خاصا والعربي عاما لانشغاله بمجتمعات هبت مجتمعة وفي آن واحد منتفضة ضد الكبت والقهر والفساد والإفساد والتسلط والفقر، ولكن هذا ليس تبريرا ولا تبرئة لوسائل الإعلام من أن تسلط الضوء على حركة شعبية مناضلة تعتبر من أقدم حركات النضال العربية عامة والخليجية خاصة التي واجهت تجاهلا إعلاميا مقيتا على مدى العقود الطويلة وهي حالة غريبة في هذا المجال.
ما هي أسباب هذا التجاهل الإعلامي؟ يرجع تجاهل الإعلام الخليجي والعربي للإنتفاضة البحرينية لسببين رئيسيين الأول: هو عدم وجود مصالح لهذه الوسائل الإعلامية بأرض الديلمون الثاني: قوة ونفوذ المال السياسي والإعلامي السعودي خاصة والخليجي عامة الذي يمنع تسرب أي خبر أو معلومة للعالم. رغم أن هذا الاحتكار الذي تم ممارسته خلال العقود الماضية قد تم كسره وضربه بمقتل ولازال أصحاب نظرية تجاهل الحراك الشبابي البحريني يعانون من انهياره بمصداقيتهم التي لم تعد عملية التجاهل والتكتيم والتعتيم عن مجريات ما يحدث على الأرض عبر الشبكة العنكبوتية التي حلت محل أكبر وأعظم وسيلة إعلامية وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم وسيلة فاعلة ومؤثرة وسريعة جدا ولا تحتاج لموافقة وزير إعلام ورأي رئيس تحرير وموافقة مدير تحرير. فاليوم أصبح المواطن العادي هو الذي يصنع الخبر وهو بمثابة وزير إعلام ومدير تحرير ورئيس تحرير، لذلك لم تعد الوسائل الإعلامية التقليدية هي الوحيدة التي تتحكم بتدفق المعلومة من وإلى عامة الناس، فقد كسرت هذه الوسائط السهلة والحديثة والسريعة التي تنقل اليوم المعلومة من قلب الحدث مباشرة. هذا التطور عبر هذه الوسائل للتواصل الإلكتروني شكل أداة ضغط هائلة على مجريات الأحداث وتسارعها في المنطقة. فاليوم لم تعد وسائل الإعلام التقليدية المملوكة للأنظمة سواء وسائل النظام البحريني أو وسائل غيره من الأنظمة في منطقة الخليج تحظى بمصداقية لدى شعوب المنطقة، نقول ذلك ونحن واثقون من هذه القناعة التي لم تعد خافية على الشعب البحريني وبقية الشعوب الخليجية التي أصبحت اليوم من أكثر شعوب العالم استخداما لتلك الوسائط الإلكترونية. فالشعب البحريني خاصا يعتبر من أكثر شعوب العالم استخداماً لهذه الوسائل الإعلامية والمعلوماتية ونؤكد على ذلك كنسبة وتناسب استخدم تلك الوسائط الإلكترونية خلال تلك الفترة التي بدأت منذ انطلاقة انتفاضة الرابع عشر من فبراير ولا يزال الشعب البحريني مستمرا في ذلك كنتيجة طبيعية لعدم قناعته بما يتم تداوله في وسائل الإعلام التقليدية التي تسيطر عليها الدولةالتي سخرتها الأسرة الحاكمة لتدافع عنها وتحقر المطالب الشعبية عبرها. لاشك لدينا بأن الإعلام الخليجي سواء في داخل كل دولة خليجية أو عبر الفضائيات التي تتصدرها قناة الجزيرة والعربية اللتان ينطبق عليها المثل البحريني عين عذاري (وهي تلك العين التي ينبع منها عذب الماء تسقي البعيد وتترك القريب) رغم شهرتهما لا بل دورهما الكبير بإسقاط أنظمة لم يكن أحد يتخيل بأنها ستسقط بتلك السهولة واستسلامها لواقعها، ناهيكم عن الإعلام المضاد المتمثل بالقنوات الرسمية والدينية التي سخرت كل طاقتها الإيمانية لإجهاض المطالب الشعبية المشروعة في البحرين وهي قنوات اقتاتت على دماء الشعب البحريني طوال تلك الفترة ورغم ذلك التعتيم ومحاولات تشويه الحقائق عبر تلك الوسائل، إلا أن استمرارية انتفاضة الشعب البحريني وضع تلك الوسائل أمام واقع لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه. وهذا الواقع الجديد دفع بعض من تلك الوسائل في محاولة خبيثة لا أخلاقية للتأكيد لمشاهديها بأنها تملك الجرأة والمصداقية وتحترم حق الشعوب بتقرير مصيرها من خلال مطالب مشروعة، حين تعمدت بين الحين والأخر نتيجة لقوة الحدث أن تنقله باستحياء وغالبا يكون الخبر الثالث أو الرابع في أحسن الأحوال لكي تقول ها نحن لدينا الجرأة والمهنية والحيادية في تسليط الضوء على انتفاضة الشعب البحريني وهي رسالة يمكن أن نسميها رسالة تبرئة الذمة أكثر منه خبر للنشر. حتى الفلم الوثائقي الذي أنتجته قناة الجزيرة بإمكانياتها الضخمة صرخة في الظلام كان رسالة موجها بالدرجة الأولى للغرب ومن قام بإنتاجه وتقديمه إعلاميين غربيين، نشر في القناة الناطقة باللغة الإنجليزية وهي قناة موجهة للغرب وليس لشعوب المنطقة أو للناطقين باللغة العربية وهو ما يعني توصيل رسالة للغرب مفادها نحن ننتقد الداخل كما ننتقد الخارج وهذه هي المهنية والرأي والرأي الأخر ورغم إنتاجهم ذلك الفيلم الوثائقي الرائع إلا أن المصداقية يجب أن لا تكون محل شك وتشكيك. فالإعلام الخليجي في انتفاضة الرابع عشر من فبراير اتسم بالتخاذل والانصياع التام لتوجيهات وزراء الإعلام الخليجيين دون أن تكون هناك ولو وسيلة واحدة من ذلك الإعلام على أقل تقدير تنفرد في نوع من الحيادية لكي توصل رسالة بأنها محايدة في وصف ونقل الأحداث للإنتفاضة الشعبية التاريخية لأهل البحرين وليس كما يحاول إعلامنا وصفها في أنها انتفاضة مذهبية طائفية. المبكي في الإعلام الخليجي فتح المجال واسعا للرأي الحكومي بينما رأي الشارع إن وجد فهو موجود عبر بعض الإعلاميين المناهضين للإنتفاضة ومسخرين كل طاقتهم للدفاع عن الأسرة المالكة وإن كانت ولازالت قناعتنا بأن من حق الأسرة المالكة أن تدافع عن مصالحها ولكن بنفس الوقت لا بد وأن يكون هناك طرح وجهتي النظر لكافة الأطراف على قدر من المساواة، هذا إن كانت الأسرة المالكة تعتقد بذلك ولكننا نبدي حول ذلك الكثير من الشكوك لأن الخيار ليس خيارها وإنما خيار الأسرة الحاكمة الخليجية قاطبة. الخلاصة
أن وسائل الإعلام الخليجية خاصة والعربية عامة قد وقعت بالمحظور المهني ولم تكن بمستوى الحدث الخليجي المستمر منذ الرابع عشر من فبراير 2011 حتى الساعة، وما زاد من انكشافها بأنها وسائل إعلام دورها للحفاظ على أسر حاكمة والمحيطين بها أكثر من أنها وسائل إعلام تلتزم المهنية والموضوعية وتحترم نفسها ومصداقيتها، لذلك فإن نسبة مشاهديها أو قرائها لاشك بأنها ضئيلة جدا لأن رأيها أصبح معروفا ويتم ترديده ليل نهار، وفي المقابل فإن وسائط التواصل الاجتماعي قد احتلت المراتب الأولى ولم يعد المواطن الخليجي اليوم يتلقى الرأي والمعلومة من وسيلة واحدة سواء كانت قناة تلفزيونية أرضية أو فضائية أو جريدة أقل ما يقال عنها بالجريدة الصفراء أبهتت حبرها وصفحاتها شمس الخليج الحارقة حتى اصفرت وهي معلقة بحامل الصحف وحتى يأتي بالغد موزع الصحف المعتمد من هذه الصحيفة أو تلك ليرجعها ويضع عدد اليوم التالي لتأخذ هي الأخرى نصيبها من الانتظار تحت لهيب شمسنا المأمول أن تسطع ذات يوم بالحرية لكافة شعوب دولنا في الخليج والوطن العربي لنعيش الصدق والشفافية والحيادية أسوة بما يشهده عالم التقدم والتحضر الذي يُحاكي الواقع ويخاطب العقل ويتطلع نحو المستقبل بعيداً عن حساب المصالح السياسية والدينية والمذهبية والقبلية وحساب احتكار مواقع صناعة القرار.
التوصية
أصبح اليوم لزاما علينا كنخب خليجية أن يرتفع صوتنا أكثر ولا يجب الإكتفاء بلقاء في مؤتمر ونتباحث ونرجع دولنا لنعيد الكرة مرة أخرى السنة التي بعدها، لذلك فإن وجود فضائية خليجية ناطقة بالحق والحقيقة اليوم في ظل تغيرات ديراميتكية ستشهدها المنطقة بحكم التطور النوعي والثقافي والتي فرضها علينا التاريخ.
|