
البحرين: الانتهاكات العاشورائية.. الحاجة لضمانات دستورية لقراءة المقال في موقع مرآة البحرين إضغط هنا على الرغم من أنَّ المادة (22) من دستور البحرين التي تنص على أنَّ "حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد" من المفترض أن تكون كافية لقطع الطريق أمام أي انتهاكات تمس الحريات الدينية -جريا على العادة السنوية لوزارة الداخلية في التعدي- إلا أنَّ صور الاضطهاد الطائفي بمختلف أشكالها ظلت خاضعة لمزاج السياسات الرسمية. وهذا نقاش صريح، بناء على تجربة عقد من الاضطهاد الطائفي المنفلت، الذي سخرت له الدولة الامكانات التنفيذية في وزاراتها لتكريسه، وأنفقت الأموال لتبريره أو إنكاره، وأنشأت المؤتمرات والمنظمات واللجان لإبراز صورتها كحاضنة للتسامح الديني، في حين مازالت تمنع صلاة الجمعة المركزية في الدراز لأنَّها قدمت موقفا مناهضا لظلم كيان الاحتلال في لبنان وغزة. يشار هنا إلى أنَّ كبار المسؤولين في الدولة يجهدون بشكل مستمر ضمن عنوان "التسامح الديني" للمشاركة في مختلف الفعاليات الخاصة بالمذاهب والأديان الأخرى، وعندما يأتي الموضوع للموسم العاشورائي فإنَّ أبرز مشاركة تتجلَّى في تهديدات وزير الداخلية، في تناقض فاضح!، هذا التناقض يكاد ممنهجا فالسلطة تشكَّل مركزا بعنوان التسامح الديني في الخارج وتكرِّس الاضطهاد الطائفي في الداخل. وبنحو غير مفاجئ، جاء موسم عاشوراء هذا العام محمَّلا باستدعاءات لعدد من المواطنين وإكراه على توقيع أوراق تعهد وتحقيق في مضامين خطب دينية وقصائد موكبية وإزالة مظاهر عاشورائية في 15 منطقة على الأقل وتوقيف تعسفي أو منع رفع الراية الحسينية في المنامة!، والأغرب ملاحقة مواطنين بسبب ملابسهم التي تتضمن صورة أو شعارا ما، وهي شملت: منشدين "رواديد"، خطباء وعلماء دين، مسؤولي حسينيات وقيمي مساجد ومواطنين، في سلوك يريد تحقيق عدة أهداف أحدها تجريم الخطاب الديني سواءا على المنبر أو عبر القصيدة الموكبية. ولنا أن نسأل: ما الذي دفع وزير الداخلية إلى استباق موسم عاشوراء بإطلاق تلك التصريحات أثناء لقائه السنوي برؤساء ومسؤولي المآتم بالمحافظات ممَّن أسماهم بأصوات التأزيم في منصات التواصل الاجتماعي –طبعا هذا لا يشمل التحريض الإعلامي في وسائل الإعلام الحكومية وشبه الرسمية لسنوات خلت، فمن كانوا يحرضون على الاعتقالات واستهداف الحريات ووضع الدوائر الحمراء في شاشة تلفزيون البحرين هم أصوات تهدئة وتعايش مجتمعي-؟، أعتقد بأنَّ تحليل عينة من الاستدعاءات والملاحقات التي حدثت خلال الموسم تعطي إجابة حول أهداف تلك التصريحات. في العموم، إدانة جرائم كيان الاحتلال في المنطقة سواء في غزة أو لبنان أو إيران أو اليمن هي مس بالوحدة الوطنية حسب تصنيف وزير الداخلية. وهنا إضافة جديدة للعقيدة الأمنية –لا يعني ذلك أنَّها لم تكن موجودة- ولكن جرى تكريسها وتوسعة مفهومها العرفي من خلال سلسلة الاستدعاءات والملاحقات للرواديد والخطباء ومسؤولي المآتم والمواطنين؛ فوزارة الداخلية وبالأخص وزير الداخلية لديها خوف شديد على الوحدة الوطنية إن كان هنالك ما يمس كيان الاحتلال بسوء؛ فالخطاب الديني يجب أن يعتبر قتل الأبرياء بالقنابل الأمريكية دفاع مشروع، ماذا لو قدم رادود ما قصيدة تشيد بالكيان، أو وقف خطيب ما ليقدم سردية الكيان المجرم بوصفه كيانا مظلوما، هل سيعتبر وزير الداخلية ذلك مسا بالوحدة الوطنية؟، من يدري ربما يفيده ذلك في تدعيم السيرة الذاتية لنجله السفير في واشنطن!. لقد نسيت أمرا، هل من يدعوا للحفاظ على الوحدة الوطنية هو ذاته الوزير الذي تورطت وزارته منذ 2011 بالكثير من ممارسات الاضطهاد الطائفي حتى باتت بعض ألسنة العناصر الأمنية في السجون تستخدم مفردات التكفيريين الدواعش تجاه سجناء الرأي؟، فضلا عن الانتهاكات التي كان أحدها حرمان المعتقل من أداء الصلاة أو الازدراء بمعتقداته. وزير الداخلية، والصحافة الحكومية التي وضعت المانشيتات العريضة لمواقفه في ذلك اللقاء الذي لا أفهم لماذا تريد الدولة أن تعطي طابعا أمنيا لموسم ديني، فتجعل الجهة الرئيسة في التصدي لذلك الموسم هي وزارة الداخلية بدلا من أن تكون الرعاية ولو شكلا لإدارة الأوقاف الجعفرية أو وزارة العدل والشؤون الدينية –رغم التحفظ على الشكل والمضمون- ربما هذا اللقاء لكونه يعقد في البحرين ليس بحاجة لتشكيل لجنة للتسامح الديني في واشنطن باسم البحرين أو عقد مؤتمر دولي للتسامح الديني يستضاف فيه شخصيات من مختلف دول العالم تحت رعاية المؤسسة الدينية التابعة للسلطة، فالرسالة الأمنية واضحة في دولة أمنية، لماذا الاستغراب؟!. عموما، هذه النمطية من الانتهاكات الموسمية التي تطال حرية الدين والمعتقد أصبحت عرفا في سلوك الأجهزة الأمنية، بل أصبحت ركنا من أركان العقيدة الأمنية، بل أصبحت سببا للإشادة وربما الترقيات والتعيينات –كما هو حال تعيين سفير ما في واشنطن-؛ بعد كل هذه السنوات من التعديات الممنهجة على الحريات الدينية –خفت أو علت أو اختلف شكلها ومسبباتها- هنالك حاجة لضمانات دستورية واضحة ومحددة للطائفة الشيعية في البحرين؛ لمنع أجهزة وزارة الداخلية من ملاحقة القصائد والخطب المنبرية والملابس واليافطات العاشورائية وما هو أوسع من ذلك أيضا. باقر درويش رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان |